-->

لماذا على أطفالكم ألا يثقوا بكم وبالناس؟



Get real time updates directly on you device, subscribe now.

على أطفالكم ألا يثقوا بكم:
يثق الطفل الصغير بكل شيء وبكل شخص حوله ويكون غير قادر على أن يدرك أن الشخص يكذب عليه أو يخدعه. إنه شخص منفتح بالكامل على العالم وواثق ثقة عمياء به. ولكن عندما يكبر يبدأ بإدراك أن هناك من لا يجدر الثقة به. يراقب، ويعرف بالحدس ويفهم أنه ليس بالإمكان الثقة بجميع الناس ويأخذ بتنمية قدرته على حسن التمييز.

ولكن خلال عملية النمو سيكون هناك الذين سيعانون من خيبات الأمل فينتهي بهم الأمر بأن يرتابوا بكل الناس. لقد سمعت قولاً كهذا مثلاً: «أسئ الظن بالآخرين تعش بخير»، ولكن هناك من سيبقون غير ناضجين وسيظلون يثقون بكل الناس. سيعاني هؤلاء من المحن وسوء الحظ ولن يفهموا لماذا ومتى عليهم أن يثقوا بالآخرين بشكل أعمى. علينا أن نتعلم أن الناس ليسوا جميعهم جديرين بالثقة وأن علينا أن نميّز من هو جدير بثقتنا ممن هو غير جدير بها. الأمر بمعنى آخر أشبه بترك بابنا مفتوحاً ومن ثم الشكوى من أنه تمت سرقتنا.

من هو الجدير بالثقة إذن؟

على الأشخاص الجديرين بالثقة أن يمتلكوا شخصية واستقامة وهذا يعني السعي إلى العيش عيشة تتماشى مع مبادئنا القائمة على المثالية والطموحات فيدفعنا ذلك إلى أن نصبح أشخاصاً أفضل في المجتمع.

على سبيل المثال، إذا كان الصدق واحداً من مبادئي وكان لدي شخصية فسأفعل ما بوسعي لأخبر الحقيقة للآخرين في كل الأوقات. ولكن إذا كنت أصدق القول فقط عندما أستفيد من الصدق أو عندما لا يكون لي خيار آخر، وأكذب بغية الغش أو الظهور بمظهر الشخص المحترم، فلست شخصاً يمتلك شخصية. الواقع أن الشخصية تصنّف وفقاً لقدرة المرء على تطبيق مبادئه . وكلما كان الشخص مخلصاً لمبادئه، ازدادت شخصيته نمواً.

إنني غبية
freepik.com
العلاقة بين الشخصية والاستقامة

الشخصية والاستقامة مرتبطتان بصدق أقوالي وفعالي. وبمعنى آخر، الاستقامة هي أن يتطابق ما أفكر فيه وأشعر به مع ما أقوله. فإذا كنت أعتقد أن من الهام أن أحترم أولادي، ومع هذا عندما أغضب أهينهم وأضربهم، فهذا يعني أنه ليس هناك استقامة بين ما أعتقده وبين ما أقوله وأفعله. وإذا كنت أعظ الآخرين عن المساواة العرقية وكنت أميّز بين الناس فأين استقامتي؟ وإذا كنت أتحدث عن الصدق والأمانة، ولكني لا أنفك عن استغلال الآخرين وسرقتهم متى توفرت لي الفرصة لذلك فأين استقامتي؟ وباختصار أكون بذلك شخصاً لا يطبق ما يعظ به.

الأب الذي يقول عكس ما يفعل؟

كان السيد أندرسون يحتفل بذكرى زواجه الخامس والعشرين مع عائلته وأصدقائه. وبعد الغداء اخذ الميكروفون وراح يخطب بضيوفه الثلاثمئة. كانت عيناه مغرورقتين بالدموع وهو يتحدث عن حبه لزوجته وعن أهمية العائلة والمكافآت التي نجنيها من الزواج. عندما كان في منتصف خطابه وقف ابنه الأكبر وترك الغرفة فاستوقفه أحد أقاربه وسأله ما المشكلة: «أرفض الإصغاء إلى هذا الهراء فهو يتبجح فيما أمي ما تزال تتعالج من الاكتئاب الذي أصيبت به بعد أن اكتشفت أن لديه عشيقة منذ خمس عشرة سنة».
ما قاله السيد اندرسون لا يتطابق مع ما يؤمن به ويفعله. عندما يلعب الإنسان دورين متناقضين سينتهي الأمر بـأن يجرح الناس الذين يحبهم.

الأم التي تقول عكس ما تفعل

«أهم شيء في حياتي هم أولادي. أنا أعيش من أجلهم» هذا ما قالته أميليا إلى مجموعة من النساء التقت بهن في الصف. راحت النسوة يصغين إليها بإعجاب حقيقي. «ولكن كيف تفعلين ذلك؟ لديك ثلاثة أولاد وأنت تدرسين وتعملين بعد الظهر أيضاً». «نعم أنا لست بحاجة للعمل ولكني أحبه. أعترف أن الأمر صعب ولكنني أستطيع القيام به». أدارت فلورنس، صديقتها منذ زمن بعيد، رأسها وهي تفكر: «ليتهن يعرفن المشاكل التي يعاني منها أولادها. الولد البكر يتعالج نفسياً. إنهم وحدهم طوال الوقت». لم تستطع فلورنس أن تتحمل هذه المحادثة فنهضت وذهبت إلى غرفة الاستراحة.

إذا كنت أتباهى بأن أولادي هم أهم شيء في حياتي وليس لدي أي وقت لهم فهذا يعني أن ليس هناك صدق في ما أقوله وما أفعله. هناك انفصال بين ما أقوله للآخرين وما أؤمن به وبين ما أفعله فعلياً. الواقع سيمسك بي أخيراً موقعاً إياي. قد نخدع أنفسنا بعض الوقت وليس كل الوقت.

لا يقتضي التفاني في تطبيق مبادئنا الكمال ولكنه يتطلب منا بذل الجهد في كل يوم من أجل أن نكون أشخاصاً أفضل. أن نمتلك شخصية واستقامة لا يعني بالضرورة أننا لن نرتكب الأغلاط التي هي ضرورية حتى نتعلم، ولكن علينا أن ندرك هذه الأغلاط ونتحمل مسؤوليتها. الواقع أن الإصرار على أن نكون معصومين عن الغلط وأشخاصاً كاملين هي مطالب سخيفة منافية للعقل أما الكفاح من أجل إدراك أغلاطنا وتحمل مسؤولياتنا فيعني تنمية حس الاستقامة عندنا وتقوية شخصيتنا.

شاهد على الاستقامة وعلى الشخص الجدير بالثقة

استدعى المدير سيليا إلى مكتبه وهناك سألها بوجه غاضب: «هل لك أن تشرحي ما الذي حدث مع السيد ستون». أجابت سيليا: «لسوء الحظ أنني المسؤولة عن خسارتنا لحساب السيد ستون. لقد كانت المعلومات التي أعطيتها له في اجتماعنا الأخير غير كاملة. كان علي إعطاؤه الدراسة كاملة ولكنني لم أنهها في الوقت المناسب. ولأن السيد ستون انزعج، ألغى حسابه».

سيكون على المدير أن يقرر ما هي عاقبة إهمال هذه الموظفة ولكن عليه في الوقت ذاته تقدير استقامتها وشخصيتها. فسيليا لم تكذب لتغطي غلطتها ولم تحاول إلقاء اللوم على الآخرين. إنها تشعر بالخجل لأنها خسّرت المصرف عميلاً هاماً ولكنها قد تكون فخورة بنفسها لأنها كانت قادرة على إدراك غلطتها و تحمل مسؤولية هذه الغلطة.
عندما نصبح أكثر اندماجاً وعندما تصبح شخصيتنا أكثر صلابة، نقترب أكثر من مبتغانا. ومع أن هذه أمور مجردة غير ملموسة، إلا انها تعطينا الحافز والتوجيه لنخطو الخطوة التالية في تطورنا.

علينا أن نبدأ بتنظيف بيوتنا قبل أن نطالب بتنظيف الأرصفة. لا نتوقعن أن نجد الاستقامة عند الآخرين إن لم نبدأ بزرعها في أنفسنا، فلا نطلبنّ من الآخرين ما لا نطلبه من أنفسنا.

مع تحيات موقع التربية الذكية





Source link




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-